المغرب وحلف وارسو: إستراتيجية تحويل الأزمات إلى تحالفات استراتيجية

 



عندما انهار حلف وارسو في فبراير 1991، فتحت الرباط ملفاً سرياً في أرشيف دبلوماسيتها: كيف تتحول رياح الحرب الباردة إلى جسر تعاون؟ اليوم، تكشف الوثائق أن المغرب اختطَّ مساراً فريداً حوَّل التحدي الروسي إلى شراكةٍ غير متوقعة. من الطاقة النووية السلمية إلى مواجهة الإرهاب في الساحل الإفريقي، صنعت المملكة نموذجاً يُدرس في دبلوماسية القرن الواحد والعشرين.
ارتفع التبادل التجاري بين المغرب وروسيا إلى 6.7 مليار دولار عام 2022، مع تصدير 80% من الحمضيات المغربية إلى الأسواق الروسية. في المقابل، تُزوّد موسكو الرباط بـ 1.2 مليون طن قمح سنوياً ثاني أكبر مورد بعد فرنسا. هذا التعاون تجسّد عملياً في تصريح السفير الروسي فاليري فورونين: "مشروعنا النووي السلمي بالمغرب سيُنتج الكهرباء ويُحل أزمة المياه عبر تحلية البحر".

في مالي، يجلس ضباط مغاربة وروسيون على طاولة واحدة: المغرب يقدم خبرته في مكافحة الإرهاب، بينما تدعم روسيا البنية التحتية. هذا النموذج التكاملي حوَّل الساحل الإفريقي من ساحة صراع إلى مختبر تعاون. العقيد عبد الحق الكرمي (ملحق عسكري سابق) يوضح: "نحن نُكمِّل بعضنا... لا نتصادم".
منح روسيا 100 منحة دراسية سنوياً للطلاب المغاربة، بينما تدرِّس جامعات موسكو اللغة العربية. أحمد الفاسي (طالب في جامعة سانت بطرسبرغ) يشهد: "هذه المنحة ستساعدني لبناء أول مفاعل نووي سلمي في وطني".

كيف حوَّل المغرب التهديد إلى فرصة؟
الدبلوماسي المخضرم عبد الرحيم الفكيكي يفسر السر: "تعلمنا من سقوط وارسو أن التحالفات المؤقتة تُبنى على المصالح لا الأيديولوجيا. روسيا اليوم شريك لأنها تُحقِّق أمننا الغذائي والطاقي".
عندما ضغطت واشنطن على الرباط لوقف استيراد النفط الروسي، جاء الرد حاسماً: "أمننا الطاقي أولوية". هذا الموقف المتوازن جعل المغرب جسراً بين الشرق والغرب.
افتتاح "المركز الثقافي الروسي" في الدار البيضاء عام 2023، ومهرجان "أيام السينما الروسية" في مراكش، حوَّلا التعاون من أرقام تجارية إلى حوار حضاري.

في ملف الصحراء، تلتزم موسكو بموقف "الحياد الإيجابي": تدعم الحل السلمي عبر الأمم المتحدة دون اعتراف البوليساريو. هذا التوازن الدقيق يُعدّ انتصاراً للدبلوماسية المغربية التي نجحت في تجنُّب الاصطفافات الخطيرة.

"بينما يُطوي العالم كتاب الحرب الباردة، يقدم المسار المغربي-الروسي ثلاث دروس:

- التهديدات تُصفر فرصاً لمن يقرأ الخرائط الجيوسياسية قبل الآخرين.

-الحياد ليس انعزالاً، بل فن نسج التحالفات بخيوط غير مرئية.

- الاقتصاد هو اللغة الوحيدة التي تفهمها القوى العظمى في عصرنا.

السؤال الأكثر إلحاحاً الآن: هل يمكن لهذه الشراكة أن تصبح نموذجاً لإفريقيا في تعاملها مع التنافس الدولي؟ التاريخ يُجيب: "المغرب سباق إلى كتابة الإجابة."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لمشاركتك .